• ×

اللواء سعاد الكارب : الصدفة وحدها جلعتني ضابطا في القوات المسلحة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية / شيماء شمس الدين يعتبر الكثيرون أن الالتحاق بالقوات المسلحة حكراً على الرجال وهذا الفهم الذي لم يكن دقيقاً.. على ما يبدو في ظل وجود النساء في هذه المؤسسة والتحاقهن بها وممارسة الأعمال التي تتناسب مع طبيعتهن.. وفي 25 يناير 1983م أجريت المعاينات لأول دفعة للضباط الصيدلانيين بالقوات المسلحة من بينهم (اللواء) التي تم تعيينها بالجيش في أكتوبر من نفس العام.. وتدرجت (الكارب) في المناصب والرتب حتى تمت ترقيتها كأول طبيب صيدلي برتبة اللواء في العام 2007م.. وقد عملت خارج الولاية بمستشفى ملكال بولاية أعالي النيل وولاية كسلا، وعملت بمصانع الأدوية بالقوات المسلحة.. ولمعرفة الجانب الخفي من حياتها أجرينا معها هذا الحوار لتكشف لنا جوانب كثيرة في مسيرتها وكيفية التحاقها بالجيش والعقبات والمواقف التي قابلتها..

* في البدء دعينا نعرف من هي سعاد الكارب؟

أنا سعاد يوسف عبد الله الكارب، من مواليد الخرطوم بري المحس.. متزوجة وأم لأربعة أبناء وبنت خريجة كلية الصيدلة جامعة الخرطوم.

* حدثينا عن مراحلك الدراسية؟

درست المرحلة الابتدائية بمدرسة اللعوتة الابتدائية بالقسم الجنوبي بمشروع الجزيرة. حيث كان والدي يعمل بمشروع الجزيرة مفتشا بالغيط، ثم انتقلت إلى مدرسة الرميتاب القسم الجنوبي أيضاً. حيث أكملت الابتدائية بها، ثم الثانوية العامة بمدرسة الحوش الثانوية العامة، وبعدها مدرسة ودمدني الثانوية العليا بنات.. وقتها والدي انتقل لرئاسة المشروع ببركات، فمدرسة بري الثانوية بنات، ثم المرحلة الجامعية جامعة الخرطوم- كلية الصيدلة.

* يبدو أنك درست بمدارس الأولاد.. حدثينا عن تلك الفترة؟

أجابت بعد ابتسامة عريضة واسترجاع لذكريات الطفولة: ما أجمل تلك الفترة، في ذلك الوقت كان المجتمع السوداني يهتم بتعليم البنين فقط ولا يهتم بتعليم البنات، كذلك كانت هناك البيئة الريفية البسيطة التي نعيش فيها، حيث كان يعمل والدي مفتشا للغيط، وكانت مدارس البنات نادرة وغير متوفرة، فدرست بمدارس البنين وتحديداً الصف الأول والثاني الابتدائي، ثم انتقلنا إلى منطقة الرميتاب وكانت بها مدرسة للبنات وأكملت الابتدائية بها، وذلك بعد معاناة وترج من والدي، فقد كنت رافضة تماماً دراستي بمدارس البنات وقام والدي بإقناعي وتقديم الإغراءات اللازمة لي كي أقتنع، وبعد ذلك وافقت على دخول مدرسة البنات.

* سمعنا عن استخدامك للدراجة؟

ضحكت مسافة وردت مبتسمة.. دراستي مع الأولاد جعلتني أتأثر بهم، فأنا بنت وسط أربعة أولاد.. وأنا في مدرسة اللعوتة اشترى والدي دراجة لأخي الأكبر عمراً مني وغضبت جداً وألححت على والدي أن يشتري لي (عجلة)، وقال لي هناك دراجات مخصصة للبنات وذهبنا للخرطوم وأحضر لي الدراجة، فكنت أذهب بها مع إخواني للمدرسة. وكنت أضع بها من الأمام (الزمزمية والفطور) ومن الخلف الحقيبة المدرسية، وبما أنني كنت بنتا وسط الأولاد في المدرسة كان المدير أستاذ أحمد أبوالقاسم يوليني أهمية خاصة وهو موجود الآن وعلى صلة بنا وكنت أقوم (بركن) دراجتي في بيته. حيث كان بيته ملحقا بالمدرسة.

وشاركت في مسابقات للدراجات، وفي طفولتي دخلت منافسات كثيرة مع الأولاد من ضمنها (شد الحبل) والدراجات والخيول وكانت فترة جميلة.

* كيف تم اختيارك للقوات المسلحة؟

اختياري للقوات المسلحة خدمته الصدفة، فأنا زوجة لرجل عسكري بالقوات المسلحة، ولذلك كانت لدي رغبة في الإنتماء للقوات المسلحة، بالإضافة لوجودي داخل منطقة عسكرية ومعاشرتي للقطاع العسكري.. وتزوجت قبل دخولي للقوات المسلحة حينما كنت في ثالثة ثانوي وزواجي كان مربوطاً بإكمالي لدراستي.

وكان هناك إصرار من الوالد والوالدة لإكمال دراستي واستمريت وأكملت فعلاً دراستي.. نحن عاصرنا بداية تعليم المرأة وتزامن ذلك مع تطوير ونهضة وتعليم المرأة وكان هناك حماس وتشجيع، بالإضافة إلى أن نسبة البنات الذين التحقوا بالتعليم العالي بسيط.. وفي زمننا كانت دفعة الطلاب في كلية الصيدلة تتكون من (50) طالبا منهم (9) بنات.. لم يكن العدد كبيرا بالإضافة إلى أن مستواي الأكاديمي كان جيدا وهذه كانت كلها محفزات.

* متى كان تاريخ دخولك للقوات المسلحة؟

بدأت المعاينات والتدريب في يناير 1983 وكان تاريخ البداية والتعيين كضباط بالقوات المسلحة في الخامس والعشرين من أكتوبر من نفس العام، ثم وصلت إلى رتبة اللواء في العام 2007.

هل وجدت مصاعب في دخولك للقوات المسلحة؟

لم تكن هناك مصاعب بالنسبة لي لأني أنتمي للقوات المسلحة وجدانياً، وبعد ذلك انتميت لها انتماءً مباشرا وكنت أسكن داخل منطقة عسكرية، بالإضافة إلى نشأتي وسط الأولاد ودراستي معهم، كل هذه الأسباب جعلتني أحب المغامرات ودائماً تجذبني الأماكن التي بها العنصر الرجالي أكثر ولم يكن دخولي للقوات المسلحة بالنسبة لي مشكلة.

ما مدى قناعتك بدخول القوات المسلحة؟

دخولي للقوات المسلحة كان رغبة، بالإضافة إلى العوامل التي ساعدتني جعلت قناعتي كافية بدخولها وأنا سعيدة جداً بانتمائي للقوات المسلحة وما ربطني بها أكثر أنني بدأت بها حياتي العملية، فقد التحقت بها وأنا في السنة الأخيرة من كلية الصيدلة من خلال رحلة جميلة.

هل ساعد دخولك للقوات المسلحة في ولوج المرأة هذا المجال؟

أكيد ساعد، لأننا أول دفعة تقريباً دخلت القوات المسلحة في مجالنا، وبالتالي ساعدنا في دخول الدفعات التي جاءت بعدنا في المجالات الطبية والمالية والقضائية وغيرها.

كيف تقيمين رؤية المجتمع للمرأة العاملة بالقوات المسلحة؟

وجود المرأة في القوات المسلحة تشجيع للأخريات على الفكرة نفسها، فأصلاً المرأة في القوات المسلحة موجودة في قطاع الخدمات المساعدة أو الخدمات الطبية والقانونية والخدمات التي بها مجال يحتاج للمرأة، فهي أصلاً ليست مقاتلاً من الدرجة الأولى، لكنها تهتم بالمجال الفني والهدف أصلاً من أجل الدفاع عن النفس.

ما هي طبيعة المهام الموكلة للمرأة بالقوات المسلحة؟

المرأة في الحروب لا تكون بالصفوف الأمامية بالتأكيد، بل في الصفوف الخلفية لتطبيب الجراح وتقديم الخدمات والعون للمقاتلين ودائماً تكون متواجدة في مجال الخدمات.

حدثينا عن إيجابيات وسلبيات دخول المرأة للقوات المسلحة؟

يمكن أن يكون رأيي فيه نوع من التحيز إلى حد ما أو غير صائب 100% لأني أنتمي للقوات المسلحة طيلة خدمتي داخل العاصمة.. فأنا التحقت للعمل بمصانع الأدوية في القوات المسلحة والمصانع موجودة داخل المركز ولم أنتقل كثيراً خارج العاصمة.. وخرجت لفترتين الفترة الأولى كانت منطقة أعالي النيل العسكرية ملكال بمستشفى ملكال العسكري وأيضاً ولاية كسلا.. أما بقية فترتي كانت داخل العاصمة بمصانع الأدوية في القوات المسلحة.

كيف توظفين وقتك بين العمل والمنزل؟

دائماً احترام الوقت وتنسيق الزمن عامل أساسي لإدارة الأمور والمواضيع إذا كان في المعهد أو العمل أو البيت.. والترتيب الجيد يسهل توظيف الوقت وكنت دائماً أقوم بتنسيق وقتي رغم المعاناة في التوفيق بين الأبناء والعمل يجب أن تبذل جهدا زائدا، لكن أنا بطبعي حركية، بالإضافة إلى قرب السكن من العمل ساعد في توظيف وقتي وتسهيل مهمتي. حيث كنت أسكن داخل المنطقة العسكرية بأم درمان على بعد أمتار من العمل.. وكنت أسير على أقدامي ولا أستعمل العربة وأرجع إلى المنزل في أوقات الراحة.. كل هذه الظروف ساعدتني في المواءمة بين العمل والمنزل.

كيف تتعاملون مع أبنائكم في ظل الطبيعة الرسمية والعسكرية للأب والأم؟

التعامل مع أبنائي يأخذ طابع الجدية وأنا من أنصار الجدية والوضوح والشفافية أكثر من الغموض والهزلية أكثر.. وأنا أفتكر أن الجدية شيء موجود داخلي وفي نشأتي وتربيتي. حيث كان والدي يستخدم معنا نفس الأسلوب.. وانضمامي للقوات المسلحة لم يغير نهجي وأسلوبي وتفكيري في إدارة البيت وأولادي.. وأنا أرى أن هذا عمل يجب أن يتوفر رغم وجود جزء من المرونة في التعامل نسبة لأنهم أبناؤك ويجب أن تأخذ معهم المرونة والدبلوماسية.. ويجب أن يعرفوا احترام الوقت والجدية، ولم يفرز هذا الأسلوب سلبيات على أبنائي ولم يخرج أي منهم عن طوعي أو لاحظت أن سلوكه غير سوي، ودائماً يكونون حريصين على الالتزام بهذا الأسلوب.

ما مدى تواصلك الاجتماعي؟

كل هذا ينصب في قالب الزمن والتنسيق بين الأولويات والأهم والالتزام بمواصلة الأهل في الأفراح والأحزان.. وقد يكون الزمن غير متاح لي للجلوس معهم لأوقات طويلة، بل أقوم بالمشاركة المعقولة.. قد آن الأوان بأن لا نضيع زمننا فيما لا يستحق واستثمار الزمن وتحديد المناسبات الأهم.

هل يسير أبنائك على دربك؟

سبحان الله ليس لدي ابن دخل القوات المسلحة رغم أني كنت حريصة أن يلتحق ابني الأكبر بجامعة كرري، لكن لم تكن لديه رغبة.. والثاني مهندس وأنا حزينة لعدم دخول أحد أبنائي للقوات المسلحة وإكمال مسيرة والديهما.. وابني قبل الأخير تخرج في كلية الصيدلة وقدم للالتحاق بالقوات المسلحة،ولكن للأسف المنافسات وصلت إلى عشرة أشخاص وتم اختيار اثنين منهم ولم يكن ابني ضمنهم ولم يحالفه الحظ رغم أنه كان حزينا لعدم اختياره، لكني قمت بإقناعه أن ذلك قد يكون لخير وهذا نصيبه ومازال الأمل في دخول معاينات أخرى.. وأجمل شيء أنه يريد الالتحاق بالقوات المسلحة لضمان استمرارية الكادر العسكري بالأسرة.

ما هي نصائحك للنساء داخل المؤسسات العسكرية؟

أقول لهن مرحبا بالعنصر النسائي في القوات المسلحة وكل وظائف وقطاعات الدولة، فقد أصبحت المرأة تشكل حضوراً وعنصراً فعالاً في كل القطاعات بصورة كبيرة تجاوزت نسبة الرجال في بعض المؤسسات.

ونحن بدأنا الطريق والناس سارت على دربنا كل في تخصصه.. ويجب أن تعرف المرأة أن القوات المسلحة تتمتع بالضبط والربط ولا تحتمل الهزل وعدم الجدية.

يقال إنك الابنة المدللة للحكومة؟

(مبتسمة).. أنا لا أنفي هذا القول وإلى حد ما أؤيده، وذلك لسبب واحد وهو أنني التحقت بالقوات المسلحة في عام 1983 وطيلة خدمتي لم أعمل في قطاع خاص ولم أعمل أيضاً خارج البلاد ولا توجد داخلي أية رغبة في ذلك وهذا يرجع لأسباب كثيرة منها والدي كان موظفا حكوميا، وأنا تزوجت ومازال والدي في الخدمة، ومنذ نشأتي وأنا أسكن في بيوت الحكومة من بيت والدي إلى زوجي كذلك.

كما أنني درست الماجستير والدكتوراه على حساب الدولة وأنا بداخلي دين للدولة لم ينته بعد وعلى قدر ما أعطي فلا أكفي. وقد تكون هذه فرصة لم تتوفر لكثيرين ومعظم الناس كانوا يدرسون على النفقة الخاصة بينما درست الجامعة وتخصصت على حساب الحكومة وربنا خصني بهذه الفرصة.

كلمة أخيرة؟

أنا سعيدة جداً بمقابلتي معكم وأتمنى أن نلتقي في ساعة خير ومزيد من التقدم للقوات المسلحة والازدهار والأمن والسلام للوطن والقوات النظامية عامة والمرأة خاصة.
اليوم التالي


بواسطة : admin
 0  0  3376
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 11:08 مساءً الأربعاء 24 أبريل 2024.